الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛ فجزاكم الله خيراً
على تواصلكم الطيب، أما عن السؤال؛ فأقول وبالله التوفيق؛ فأولاً حديث: «إياكم
والظَّنَّ، فإن الظَّنَّ أكذب الحديث»؛
هذا محمول على الظن الذي لا تحتف به قرائن قوية، أما إذا احتفت بالظن قرائن قوية
جاز إعماله، فالظن له فقه - كما لا يخفى عليك - كأي شيء من الأشياء، كما أن الحياء
له فقه فالظن له فقه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «ما
أَظُنُّ فلانًا وفلانًا يعلمان من أمر دِينِنَا شيئا»،
أما الظن الذي حذر منه النبي- صلى الله عليه وسلم- إذ قال: «إياكم
والظَّنَّ»؛ فهو
الشكوك التي لا تنبني على قرائن، أما إذا كانت هناك قرائن قوية فتقوي حينئذ الظن
إلى أن يصل الظن أحياناً إلى معنى اليقين، فالظن أحياناً وكثيرًا من الأحيان يأتي
بمعنى اليقين كما قال الله تبارك وتعالى: {
قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ
غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ
} [البقرة:249] فالظن هنا أخذ معنى اليقين، وكذلك قول أهل الإيمان إذا أخذ أحدهم
كتابه بيمينه: {إِنِّي
ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ}
[الحاقة:20] .. فهذا قوله لا يحمل أبدا على الشك إنما على اليقين.
فالظن الذي لم يقترن بقرائن قوية تؤكده نبتعد عنه، الظن الذي مبناه على الشكوك
نبتعد عنه؛ ومن ثم قد قال الله في كتابه الكريم: { اجْتَنِبُوا
كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
} [الحجرات:12] لم يقل سبحانه: "
كل الظن إثم"
إنما قال: {إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}
ولما قال الله - جل ذكره -:{اجتنبوا
كثيرا من الظن}
ولم يقل: "اجتنبوا
بعض الظن إن بعض الظن إثم"
ولكن: {اجْتَنِبُوا
كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}
.. ذلك لأننا لا نستطيع أن نحدد في كثير من الأحيان الظن هل هو إثم أم ليس بإثم؟
فتركنا الكثير حتى يدخل فيه القليل للاحتراز والاحتياط، والله أعلم.
|